فصل: ثم دخلت سنة سبع وستين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر غزو الروم

في هذه السنة سير المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم صائفة في جمادى الآخرة في خمسة وتسعين ألفًا وتسعمائة وثلاثة وتسعين رجلًا ومعه الربيع فوغل هارون في بلاد الروم ولقيه عسكر لقيظًا قومس القوامسة فبارزه يزيد بن مزيد الشيباني فأثخنه يزيد وانهزمت الروم وغلب يزيد على عسكرهم‏.‏

وساروا إلى الدمستق وهو صاحب المسالح فحمل لهم مائة ألف دينار وثلاثة وتسعين ألفًا وأربعمائة وخمسين دينارًا ومن الورق أحدًا وعشرين ألف ألف درهم وأربعة عشر ألفًا وثمانمائة درهم‏.‏

وسار الرشيد حتى بلغ خليج القسطنطينية وصاحب الروم يومئذٍ عطسة امرأة أليون وذلك أن ابنها كان صغيرًا قد هلك أبوه وهو في حجرها فجرى الصلح بينها وبين الرشيد على الفدية وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في الطريق وذلك أنه دخل مدخلًا ضيقًا مخوفًا فأجابته إلى ذلك ومقدار الفدية سبعون ألف دينار كل سنة ورجع عنها‏.‏

وكانت الهدنة ثلاث سنين وكان مقدار ما غنم المسلمون إلى أن اصطلحوا خمسة آلاف رأس سبي وستمائة وثلاثة وأربعين رأسًا ومن الدواب الذلل بأدواتها عشرين ألف رأس وذبح من البقر مائة ألف رأس وقتل من الروم في الوقائع أربعة وخمسون ألفًا وقتل من الأسارى صبرًا ألفان وتسعون أسيرًا‏.‏

في هذه السنة عزل خلف بن عبد الله عن الري ووليها عيسى مولى جعفر‏.‏

وحج بالناس هذه السنة صالح بن المنصور وكان العمال من تقدم ذكرهم غير أن البصرة كان على أحداثها والصلاة بها روح بن حاتم وكان على كور دجلة والبحرين وعمان وكسكر والأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى المهدي وكان على الموصل أحمد بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

وفيها غدر الحسين بن يحيى بسرقسطة فنكث مع عبد الرحمن فسير إليه عبد الرحمن غالب بن ثمامة بن علقمة في جند كثيف فاقتتلوا فأسر جماعة من أصحاب الحسين فيهم ابنه يحيى فسيرهم إلى الأمير عبد الرحمن فقتلهم وأقام ثمامة بن علقمة على الحسين يحصره ثم إن الأمير عبد الرحمن سار سنة ست وستين ومائة إلى سرقسطة بنفسه فحصرها وضايقها ونصب عليها المجانيق ستة وثلاثين منجنيقًا فملكها عنوة وقتل الحسين أقبح قتلة ونفى أهل سرقسطة منها ليمين تقدمت منه ثم ردهم إليها‏.‏

وفيها مات يزيد بن منصور بن عبد الله بن يزيد بن شهر بن مثوب وهو من ولد شهر ذي الجناح الحميري خال المهدي وقد كان ولي اليمن والبصرة والحج‏.‏

وفيها توفي فتح بن الوشاح الموصلي الزاهد‏.‏

في هذه السنة أخذ المهدي البيعة لولده هارون الرشيد بولاية العهد بعد أخيه موسى الهادي ولقبه الرشيد‏.‏

وفيها عزل عبيد الله بن الحسن العنبري عن قضاء البصرة واستقضي خالد بن طليق بن عمران بن حصين فاستعفى أهل البصرة منه‏.‏

  ذكر القبض على يعقوب بن داود

وفي هذه السنة سخط المهدي على وزيره يعقوب بن داود طهمان وكان أول أمرهم أن داود بن طهمان وهو أبو يعقوب كان يكتب لنصر بن سيار هو وإخوته فلما كان أيام يحيى بن زيد كان داود يعلمه ما يسمعه من نصر فلما طلب أبو مسلم الخراساني بدم يحيى بن زيد أتاه داود لما كان بينه وبين يحيى فآمنه أبو مسلم في نفسه وأخذ ماله الذي استفاد أيام نصر‏.‏

فلما مات داود خرج أولاده أهل أدب وعلم ولم يكن لهم عند بني العباس منزلة فلم يطمعوا في خدمتهم لحال أبيهم من كتابة نصر وأظهروا مقالة الزيدية ودنوا من آل الحسين وطمعوا أن تكون لهم دولة فكان داود يصحب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أحيانًا وخرج معه هو وعدة من إخوته فلما قتل إبراهيم طلبهم المنصور فأخذ يعقوب وعليًا وحبسهما فلما توفي المنصور أطلقهما المهدي مع من أطلقه وكان معهما الحسن بن إبراهيم فاتصل إلى المهدي بسببه كما

وكان المهدي يقول‏:‏ وصف لي يعقوب في منامي فقيل لي‏:‏ استوزره فلما رأيته رأيت الخلقة التي وصفت لي فاتخذته وزيرًا فلما ولي الوزارة أرسل إلى الزيدية فجمعهم وولاهم أمور الخلافة في المشرق والمغرب ولذلك قال بشار بن برد‏:‏ بني أميّةً هبّوا طال نومكم إنّ الخليفة يعقبو بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا خليفة الله بين النّاي والعود فحسده موالي المهدي وسعوا به وقيل له‏:‏ إن الشرق والغرب في يد يعقوب وأصحابه وإنما يكفيه أن يكتب إليهم فيثوروا في يوم واحد فيأخذوا الدنيا لإسحاق بن الفضل‏.‏

فملأ ذلك قلب المهدي ولما بني المهدي عيساباذ أتاه خادم من خدمه فقال له‏:‏ إن أحمد بن إسماعيل بن علي قال لي‏:‏ أبنى متنزهًا أنفق عليه خمسين ألف ألف من بيت المال فحفظها المهدي ونسي أحمد بن إسماعيل وظن أن يعقوب قالها فبينما يعقوب بين يديه إذ لببه فضرب به الأرض وقال‏:‏ ألست القائل كيت وكيت فقال‏:‏ والله ما قتله ولا سمعته‏!‏ قال‏:‏ وكان السعاة يسعون بيعقوب ليلًا ويتفرقون وهم يعتقدون أنه يقبضه بكرةً فإذا أصبح غدا عليه فإذا نظر إليه تبسم وسأله عن مبيته‏.‏

وكان المهدي مستهترًا بالنساء فيخوض يعقوب معه في ذلك فيفترقان عن رضى ثم إنه كان ليعقوب برذونٌ كان يركبه فخرج يومًا من عند المهدي وعليه طيلسان يتقعقع من كثرة دقة والبرذون مع الغلام وقد نام الغلام فركب يعقوب وأراد تسوية الطيلسان فنفر من قعقعته فسقط فدنا من دابته فرفسه فانسكر ساقه فانقطع عن الركوب فعاده المهدي من الغد ثم انقطع عنه فتمكن السعاة منه فأظهر المهدي السخط عليه ثم أمر به فسجن في سجن نصر وأخذ عماله وأصحابه فحبسوا‏.‏

وقال يعقوب بن داود‏:‏ بعث إلي المهدي يومًا فدخلت عليه وهو في مجلس مفروش بفرش مورد على بستان فيه شجر ورؤوس الشجر مع صحن المجلس وقد اكتسى ذلك الشجر بالأزهار من الخوخ والتفاح فما رأيت شيئًا أحسن منه وعنده جارية عليها نحو ذلك الفرش ما رأيت أحسن منها فقال لي‏:‏ يا يعقوب‏!‏ كيف ترى مجلسنا هذا قلت‏:‏ على غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به قال‏:‏ هو لك بما فيه وهذه الجارية ليتم سرورك به قال‏:‏ فدعوت له ثم قال لي‏:‏ يا يعقوب ولي إليك حاجة أحب أن تضمن لي قضاءها قلت‏:‏ الأمر لأمير المؤمنين وعلي السمع والطاعة فاستحلفني بالله وبرأسه فحلفت لأعملن بما قال فقال‏:‏ هذا فلان بن فلان من ولد علي بن أبي طالب وأحب أن تكفيني مؤونته وتريحني منه وتعجل ذلك قلت‏:‏ أفعل فأخذته وأخذت الجارية وجميع ما في المجلس وأمر لي بمائة ألف درهم فلشدة سروري بالجارية صيرتها

في مجلس بيني وبينها ستر وأدخلت العلوي إلي وسألته عن حاله فأخبرني وإذا هو أعقل الناس وأحسنهم إبانةً عن نفسه ثم قال‏:‏ ويحك يا يعقوب تلقى الله بدمي وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم‏!‏ قتل‏:‏ لا والله فهل فيك أنت خيرٌ قال‏:‏ إن فعلت خيرًا شكرت ولك عندي دعاء واستغفار‏.‏

فقلت‏:‏ أي الطرق أحب إليك قال‏:‏ كذا وكذا فأرسلت إلى من يثق إليه العلوي فأخذه وأعطيته مالًا وأرسلت الجارية إلى المهدي تعلمه الحال فأرسل إلى الطريق فأخذ العلوي وصاحبه والمال‏.‏

فلما كان الغد استحضرني المهدي وسألني عن العلوي فأخبرته أني قتلته فاستحلفني بالله وبرأسه فحلفت له فقال‏:‏ يا غلام أخرج إلينا ما في هذا البيت فأخرج العلوي وصاحبه والمال فبقيت متحيرًا وامتنع مني الكلام فما أدري ما أقول فقال المهدي‏:‏ قد حل لي دمك ولكن احبسوه في المطبق ولا أذكر به‏.‏

فحبست في المطبق واتخذ لي فيه بئر فدليت فيها فبقيت مدة لا أعرف عددها وأصبت ببصري‏.‏ قال‏:‏ فإني لكذلك إذ دعي بي وقيل لي‏:‏ سلم على أمير المؤمنين‏!‏ فسلمت قال‏:‏ أي أمير المؤمنين أنا قلت‏:‏ المهدي قال رحم الله المهدي‏.‏

قلت‏:‏ فالهادي قال‏:‏ رحم الله الهادي‏.‏

قلت‏:‏ فالرشيد قال‏:‏ نعم‏!‏ سل حاجتك‏.‏

قلت‏:‏ المقام بمكة فما بقي في مستمتعٌ لشيء ولا بلاغ فأذن لي فسرت إلى مكة قال‏:‏ فلم تطل أيامه بها حتى مات‏.‏

وكان يعقوب قد ضجر بموضعه قبل حبسه وكان أصحاب المهدي يشربون عنده فكان يعقوب ينهاه عن ذلك ويعظه ويقول‏:‏ ليس على هذا استوزرتني ولا عليه صحبتك أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ فضيق على المهدي حتى قيل‏:‏ فدع عنك يعقوب بن داود جانبًا وأقبل على صهباء طيّبة النّشر وقال يعقوب يومًا للمهدي في أمر أراده‏:‏ هذا والله السرف‏!‏ فقال المهدي‏:‏ ويحك يا يعقوب إنما يحسن السرف بأهل الشرف ولولا السرف لم يعرف المكثرون من المقلين‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفي هذه السنة سار المهدي إلى جرجان وجعل على قضائه أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم وفيها أمر المهدي بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن ببغال وإبل ولم يكن هنالك بريد قبل وفيها اضطربت خراسان على المسيب بن زهير فولاها الفضل بن سليمان الطوسي أبا العباس وأضاف إليه سجستان فاستخلف على سجستان تميم بن سعيد بن دعلج‏.‏

وفيها أخذ المهدي داود بن روح بن حاتم وإسماعيل بن مجالد ومحمد بن أبي أيوب المكي ومحمد بن طيفور في الزندقة فاستتابهم وخلى سبيلهم وبعث داود إلى أبيه وهو على البصرة وأمره بتأديبه‏.‏

وفيها استعمل إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله على المدينة وكان على مكة والطائف عبيد الله بن قثم‏.‏

وفيها عزل منصور بن يزيد بن منصور عن اليمن واستعمل مكانه عبد الله بن سليمان الربعي‏.‏

وفيها أطلق المهدي عبد الصمد بن علي من حبسه وحج بالناس إبراهيم بن يحيى وكان على الكوفة هاشم بن سعيد وعلى البصرة روح بن حاتم وعلى قضائها خالد بن طليق وعلى كور دجلة وكسكر وأعمال البصرة والبحرين والأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى المهدي وعلى مصر إبراهيم بن صالح وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي وعلى دنباوند وقومس فراشة مولى المهدي وعلى الري سعد مولاه وعلى الموصل أحمد بن إسماعيل الهاشمي وقيل موسى بن كعب الخثعمي وعلى قضائها علي بن مسهر بن عمير ولم يكن في هذه السنة صائفة للهدنة التي كانت فيها‏.‏

وفيها قتل بشار بن برد الشاعر الأعمى على الزندقة وكان خلق ممسوح العينين‏.‏

وفيها توفي الجراح بن مليح الرؤاسي وهو والد وكيع‏.‏

وفيها توفي المبارك بن فضالة وحماد بن سلمة البصري‏.‏

وفيها قتل عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس ابن أخيه المغيرة بن الوليد بن معاوية بن هشام وهذيل بن الصميل وسمرة بن جبلة لأنهم اجتمعوا على خلعه مع العلاء بن حميد القشيري فتقرب بهم‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وستين ومائة

في هذه السنة سار موسى الهادي إلى جرجان في جمع كثير وجهاز لم يتجهز أحد بمثله لمحاربة ونداد هرمز وشروين صاحبي طبرستان وجعل المهدي على رسائل موسى أبان بن صدقة ومحمد بن جميل على جنده ونفيعًا مولى المنصور على حجابته وعلي بن عيسى بن ماهان على حرسه فسير الهادي الجنود إليهما وأمر عليهم يزيد بن مزيد فحاصرهما‏.‏

وفيها توفي عيسى بن موسى بالكوفة فأشهد روح بن حاتم على وفاته القاضي وجماعة من الوجوه ودفن وكان عمره خمسًا وستين سنة ومدة ولايته العهد ثلاثًا وعشرين سنة وقد تقدم ذكر ولايته العهد وعزله عنه‏.‏

وفيها جد المهدي في طلب الزنادقة فأخذ يزيد بن الفيض فأقر فحبس فهرب فلم يقدر عليه‏.‏

وكان المتولي لأمر الزنادقة الكلوذاني‏.‏

وفيها عزل المهدي أبا عبيد الله معاوية بن عبيد الله عن ديوان الرسائل وولاه الربيع‏.‏

وفيها كان الوباء ببغداد والبصرة وفشا في الناس سعال شديد‏.‏وفيها توفي أبان بن صدقة كاتب الهادي فوجه المهدي مكانه أبا خالد الأحول‏.‏

وفيها أمر المهدي بالزيادة في المسجد الحرام ومسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدخلت فيه دور كثيرة وكان المتولي لبنائه يقطين بن موسى فبقي البناء فيه إلى أن توفي المهدي وكذلك أمر بالزيادة في المسجد الجامع بالموصل ورأيت لوحًا فيه ذكر ذلك وهو في حائط الجامع سنة ثلاث وستمائة وهو باقٍ‏.‏

وفيها عزل يحيى الحرشي عن طبرستان والرويان وما كان إليه ووليه عمر بن العلاء وولي جرجان فراشة مولى المهدي‏.‏

وفيها أظلمت الدنيا لثلاث مضين من ذي الحجة حتى تعالى النهار ولم يكن صائفة للهدنة وحج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وهو على المدينة ثم توفي بعد فراغه من الحج بأيام وتولى مكانه إسحاق بن عيسى بن علي‏.‏

وفيها طعن عقبة بن سلم الهنائي اغتاله رجل بخنجر فمات ببغداد‏.‏

وكان على اليمن سليمان بن يزيد الحارثي وعلى اليمامة عبد الله بن مصعب الزبيري وكان على البصرة محمد بن سليمان وعلى قضائها عمر بن عثمان التيمي وعلى الموصل أحمد بن إسماعيل الهاشمي وقيل موسى بن كعب وباقي الأمصار كما تقدم‏.‏

وفي هذه السنة توفي جعفر الأحمر أبو شيبة والحسن بن صالح بن حبي وكان شيعيًا عابدًا وسعيد بن عبد الله بن عامر التنوخي وحماد ابن سلمة وعبد العزيز بن مسلم‏.‏

وفيها أفسد العرب في بادية البصرة بين اليمامة والبحرين وقطعوا الطريق وانتهكوا المحارم وتركوا الصلاة فأرسل المهدي إليهم جيشًا فقاتلهم واشتد القتال وصبر العرب فظفروا وقتلوا عامة العسكر المنفذ إليهم فقويت شوكتهم وزاد شرهم‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائة

في هذه السنة في رمضان نقض الروم الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين وكان من أوله إلى أن نقضوه اثنان وثلاثون شهرًا فوجه علي بن سليمان وهو على الجزيرة وقنسرين يزيد بن البدر بن البطال في خيل فغنموا وظفروا‏.‏

  ذكر الخوارج بالموصل

وفيها خرج بأرض الموصل خارجي اسمه ياسين من بني تميم فخرج إليه عسكر الموصل فهزمهم وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة وكان يميل إلى مقالة صالح بن مسرح الخارجي فوجه إليه المهدي أبا هريرة محمد بن فروخ القائد وهرثمة بن أعين مولى بني ضبة فحارباه فصبر لهما حتى قتل وعدة من أصحابه وانهزم الباقون‏.‏

  ذكر مخالفة أبي الأسود بالأندلس

في هذه السنة ثار أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالأندلس وكان من حديثه‏:‏ أنه كان في سجن عبد الرحمن بقرطبة من حين هرب أبوه وقتل أخوه عبد الرحمن على ما تقدم وحبس أبو الأسود وتعامى في الحبس فصار يحاكي العميان ولا يطرف عينه لشيء وبقي دهرًا طويلًا حتى صح عند الأمير عبد الرحمن الأموي ذلك‏.‏

وكان في أقصى السجن سرداب يفضي إلى النهر الأعظم يخرج منه المسجونون فيقضون حوائجهم من غسل وغيره وكان الموكلون يهملون أبا الأسود لعماه فإذا رجع من النهر يقول‏:‏ من يدل الأعمى على موضعه وكان مولى له يحادثه على شاطئ النهر ولا ينكر عليه فواعده أن يأتيه بخيل يحمله عليها فخرج يومًا ومولاه ينتظره فعبر النهر سباحة وركب الخيل ولحق بطليطلة فاجتمع له خلق كثير فرجع بهم إلى قتال عبد الرحمن الأموي فالتقيا على الوادي الأحمر بقسطلونة واشتد القتال ثم انهزم أبو الأسود وقتل من أصحابه أربعة آلاف سوى من تردى في النهر واتبعه الأموي يقتل من لحق حتى جاوز قلعة الرباح ثم جمع وعاد إلى قتال الأموي في سنة تسع وستين فلما أحس بمقدمة الأموي انهزم أصحابه وهو معهم فأخذ عياله وقتل أكثر رجاله وبقي إلى سنة سبعين فهلك بقرية من أعمال طليطلة‏.‏

وقام بعده أخوه قاسم وجمع جمعًا فغزاه الأمير فجاء إليه بغير أمان فقتله‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها هلك شيلون ملك جليقية فولوا مكانه اذفونش فوثب عليه مورقاط فقتله فاختل أمرهم فدخل عليهم نائب عبد الرحمن بطليطلة في عساكره فقتل وغنم وسبى ثم عاد سالمًا‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم بن واسول مقدم الخوارج الصفرية بسجلماسة فجاءةً في صلاة العشاء الآخرة وكان إمارته اثنتي عشرة سنة وشهرًا وولي بعده ابنه إلياس‏.‏

وفيها سير المهدي سعيدًا الحرشي في أربعين ألفًا إلى طبرستان‏.‏

وفيها مات عمر الكلوذاني صاحب الزنادقة وولي مكانه محمد بن عيسى بن حمدوية فقتل من الزنادقة خلقًا كثيرًا‏.‏

وحج بالناس علي بن المهدي الذي يقال له ابن ريطة‏.‏

وفيها توفي يحيى بن سلمة بن كهيل وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ومندل بن علي ومحمد بن عبد الله بن علاثة بن علقمة القاضي والحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان قد استعمله المنصور على المدينة خمس سنين ثم عزله وحبسه ببغداد وأخذ ماله‏.‏

فلما ولي المهدي أخرجه ورد عليه ماله وكان جوادًا إلا أنه كان منحرفًا عن أهل بيته مائلًا إلى المنصور‏.‏

وفيها توفي بشر بن الربيع وعبثر بن القاسم عبثر بفتح العين المهملة وبالباء الموحدة والثاء